فيما تولّى الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه مواجهاً مستنقع الأزمات المتشابكة التي يعاني منها الشرق الأوسط، لديه فرصة لتحقيق بعض النجاحات المبكرة وتجنب حقول الألغام المألوفة التي تلوح في الأفق. هكذا تم التعريف عن أول مشروع لتعاون ثلاثي، يتكوّن من خبراء في مراكز الأبحاث الرائدة في الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل؛
وقدم “التعاون” تسع توصيات بشأن قضايا تستحق الأولوية برأيهم في التعامل معها من قبل الإدارة الأميريكة الجديدة، تتراوح بين محاربة جائحة كوفيد وتقييد البرنامج النووي الإيراني، إلى إحياء جهود السلام الإسرائيلية الفلسطينية.
تعزيز العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي
للاستفادة من المشهد الإقليمي الجديد للتعاون الذي أتاحته اتفاقيات أبراهام، قام المجلس الأطلسي في واشنطن، ومركز الإمارات للسياسات في أبو ظبي، ومعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب بتشكيل شراكة استراتيجية. وتقوم المؤسسات الثلاث على الاستفادة من خبرات الباحثين في مجالات الحكومة والدبلوماسية والأمن والاستخبارات والأعمال والإعلام لتقديم إرشادات لصانعي السياسات على مدى السنوات القادمة.
من خلال التقارير والمؤتمرات والندوات المشتركة عبر الإنترنت، يعتزم الشركاء_ بحسب تقرير مشترك_ إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي، وتعزيز العلاقات ذات المنفعة المتبادلة بين إسرائيل والعالم العربي.
هذا، ويمثل توافق العديد من الرؤى الإماراتية والإسرائيلية والأميركية بنية جديدة في الشرق الأوسط؛ ويخلق خيارات دبلوماسية ورافعات جيوسياسية جديدة.
أثناء حكم دونالد ترامب، قدمت اتفاقيات أبراهام أدوات جديدة في فن الحكم الاقتصادي، والتي يجب على فريق بايدن تبنيها، برأي الفرقاء. ونص التعاون الثلاثي أن يبدأ بايدن تنفيذ هذه التوصيات خلال النصف الأول من عام 2021. فما هي هذه الوصايا التسع؟
الوصايا التسع:
- تطوير استجابة إقليمية في الشرق الأوسط لوباء كوفيد للسيطرة على انتشار الفيروس وتوزيع اللقاحات. ويعتبر التعاون أنّ أبحاث اللقاحات من قبل إسرائيل والإمارات العربية المتحدة مثال جيد. وينصح إدارة بايدن بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي والوكالات الأخرى لضمان أنّ البلدان الأفقر في المنطقة يمكن أن تجعل اللقاح متاحًا لسكانها أيضًا.
- التشاور عن كثب مع حلفاء الشرق الأوسط أثناء العمل على الحدّ من طموحات إيران النووية والعدوان الإقليمي؛ واستخلاص الدروس من المقاربات المتضاربة لإدارة أوباما وترامب؛ بحيث يجب على الولايات المتحدة أن تنشئ قناة رسمية لحوار متعدد الأطراف مع دول الخليج وإسرائيل، وربما تضيف مصر والأردن، مع الهدف المعلن المتمثل في إيجاد طرق لتخفيف “التهديدات” من إيران_والتي تشمل الانتشار النووي والتدخل “العدائي” داخل المنطقة وخارجها والصواريخ الباليستية والعمليات السيبرانية و”حملات التضليل”. بالإضافة إلى البدء في التخطيط لبناء الموارد العسكرية والاستخباراتية والأمنية المدنية الضرورية في إسرائيل والإمارات والبحرين، من أجل التصدي بشكل تعاوني للتهديدات التي تشكّلها إيران ووكلائها. كذلك تقضي الإتفاقية على أنّه يجب أن تتم العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، بالتزامن مع الجهود المنسقة لضمان التزام إيران بتصحيح نقاط الخلاف المعلّقة.
- إصدار إعلان يخفّف من المخاوف بشأن الانسحاب العسكري الأميركي من الشرق الأوسط. وتطلب الاتفاقية من إدارة بايدن أن تفوّض لجنة مستقلة من الولايات المتحدة، وحلفاء أوروبيين، وشركاء إقليميين آخرين، لمراجعة الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، والتوصية بالكيفية التي يمكن بها للتطبيع العربي الإسرائيلي أن يساعد في حماية المنطقة؛ حيث يساهم وجود القوات العسكرية الأميركية في استقرار المنطقة ودفع عجلة التطبيع. ويجب على اللجنة أيضًا، بحسب الاتفاقية، معالجة مخاوف الولايات المتحدة بشأن الجهود الصينية والروسية للوصول إلى تقنياتها وقواعد بياناتها. ويجب أن تدرس المراجعة كيفية ضمان تدفق الطاقة عبر الطرق البحرية الأساسية مثل مضيق هرمز. ويجب على الولايات المتحدة الحفاظ على قدراتها البحرية والجوية في البحرين وقطر، دون أن تتطلّب قوة بشرية إضافية. ويجب أن تعدّ اللجنة حوارًا مع الشركاء الإقليميين حول التعاون في المجالات العلمية والتكنولوجية، بهدف الإرتقاء بالقطاعات الأميركية والإقليمية، وتقليل محاولات المنافسين الأميركيين للسيطرة على الأسواق في المنطقة.
- تعزيز التعاون العربي الإسرائيلي كمحفّز للسلام والأمن والإزدهار في الشرق الأوسط وخارجه. كما تنص الاتفاقية على تشجيع دول المنطقة على إقامة علاقات مفتوحة مع إسرائيل، وتقديم الحوافز، بما في ذلك خطوات نحو السلام الإقليمي؛ ويجب على كبار قادة الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية، حلّ الخلافات في تكتم وتجنب تمكين الروايات التي تقوّض التطبيع. كذلك، ينص التعاون على إعادة هيكلة جهود السلام الإسرائيلية الفلسطينية، والعمل على إعادة تأهيل حلّ الدولتين الدائم، الذي يؤسس الفصل السياسي والإقليمي والديموغرافي، بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية من خلال ترتيبات انتقالية. ويجب أن تعمل إدارة بايدن على خلق مسار للمشاركة الدبلوماسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وتقديم تأكيدات بأنّ أمن إسرائيل لن يتضرّر من إقامة الدولة الفلسطينية. ويجب على الولايات المتحدة استعادة المساعدات الاقتصادية والإنسانية الفلسطينية، ومعالجة الأزمة في غزة، وإعادة القنصلية في القدس. وعلى الدول العربية أن تساعد في دعم المشاركة الفلسطينية سياسياً ومادياً. وينبغي لإسرائيل أن تتخذ خطوات بنّاءة لتحسين ظروف السلام والحدّ من الأعمال التي تقوّض التقدم بين الطرفين. وعلى السلطة الفلسطينية استئناف التعاون الأمني الكامل مع إسرائيل وإنهاء السياسات التي تكافئ “العنف ضد الإسرائيليين”. كما يجب على جميع الأطراف العمل على معالجة “التهديد” الذي تشكّله سيطرة حماس المستمرة على غزة.
- تنسيق جهود مكافحة الإرهاب والأمن المدني مع حلف شمال الأطلسي وإسرائيل والشركاء العرب، من خلال تدريب الحلفاء المحليين، والتصدّي لتهديد المتطرفين العنيفين مثل داعش. بالإضافة إلى إنشاء آلية للتعاون العسكري والاستخباراتي والأمني المدني لدفع الأولويات المشتركة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والدفاع الصاروخي، وتبادل المعلومات الاستخبارية والعمليات التي تشمل الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية. كما ينص التعاون على بدء التدريبات العسكرية المشتركة والتدريبات مع إسرائيل والشركاء العرب، على إزالة الألغام البحرية والدفاع ضد الطائرات بدون طيار والعبوات الناسفة؛ بالإضافة إلى إدارة نقاش مفتوح مع دول اتفاقيات إبراهيم، والدول ذات الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، مثل المملكة العربية السعودية حول قيام نظام أمني إقليمي.
- الامتناع عن اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة بشأن العلاقة مع السعودية، بالمقابل تحفيز مباشرة عملية الدبلوماسية مع المملكة؛ حيث أنّ المراجعة شبه الكاملة للمملكة لموقفها من رعاية التطرّف الديني يمكن أن تجعلها شريكًا مهمًا للمضي قدمًا في منع ومكافحة الإرهاب والتطرّف. كما تطرّقت الاتفاقية إلى آلية التوظيف في المنطقة وخارجها. إذ، تمتلك المملكة العربية السعودية القدرة على خفض أسعار الطاقة إلى حدّ قد يؤدي إلى انتكاسة في أجندة بايدن لتنويع مصادر الطاقة.
- معالجة الكوارث الإنسانية الناجمة عن النزاع المسلّح في اليمن وسوريا وليبيا والعراق؛ وإنشاء مائدة مستديرة أمنية “للتشاور فقط” مع الولايات المتحدة، والحلفاء الأوروبيين، وإسرائيل، والدول العربية أو ذات الأغلبية المسلمة، لمناقشة كيف يمكن أن تمتد الصراعات الإقليمية إلى الدول المشاركة. يمكن أن تشمل الأولويات الحالية ليبيا وسوريا ولبنان والصومال والسودان والدور المتغير لتركيا؛ بالإضافة إلى تعزيز الاستقرار والتسامح الديني وحوار القنوات الخلفية وجهود التحوّل السياسي.
- إنشاء قناة لمجتمع الأعمال والمجتمع المدني داخل إسرائيل ودول الخليج لتعزيز الروابط السياسية. إذ، بحسب الاتفاقية، إنّ الجمع بين القدرات التكنولوجية الأميركية والإسرائيلية والإماراتية مع الموارد والقوى العاملة، يمكن أن يدفع جميع الأطراف إلى الأمام في المشاريع الحيوية التي تجتاز المنطقة- بما في ذلك خطوط السكك الحديدية متعددة الجنسيات، وشبكات الألياف البصرية وخطوط أنابيب النفط والغاز. بالإضافة إلى تفويض لجنة مشتركة من الخبراء لصياغة توصيات لتحسين البنية التحتية للطاقة داخل المنطقة، لتقليل الاعتماد على مقدمي الخدمات المتخاصمين الذين يستغلون نقاط ضعف الطاقة لدى جيرانهم. وتشجيع الاتصالات الشعبية بين الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية التي لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وفي هذا السياق، اتخذت إدارة بايدن خطوة إيجابية في توقيع أمر تنفيذي لعكس القيود المفروضة على سفر مواطني العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة إلى الولايات المتحدة. وسيتم استخدم هذه الخطوة لإنشاء مسار إيجابي.
- تشجيع طلاب الشرق الأوسط على الالتحاق بالجامعات الأميركية، وإنشاء برنامج تبادل لتعزيز العلاقات بين المجتمعات؛ وتأسيس منح دراسية رسمية للتبادل- بتمويل فيدرالي أميركي- في كل دولة، احتفالًا باتفاقيات أبراهام. بالإضافة إلى استكشاف أوجه التآزر التعاوني في مجالات مثل التعليم نحو التسامح، والبيئة، والفرص للشباب وذوي الاحتياجات الخاصة.